مرحباً بكم في صفحة وزارة الخارجية الألمانية

مقابلة السفير الألماني الدكتور/سيريل نون بمناسبة نهاية فترة عمله بالقاهرة

03.08.2021 - بيان صحفي

 

السيد السفير، نود أن نستمع إلى تقييمكم لمستوى العلاقات بين مصر وألمانيا، فما هي التطورات التي شهدتها تلك العلاقات على الصعيد السياسي؟

بعد قضاء عامين من الحياة في مصر والعمل عن كثب مع شركائنا المصريين بصفة يومية أستطيع أن أؤكد أن العلاقات السياسية بين مصر وألمانيا قوية ومتنوعة تقليديا، فمصر ليست البلد العربي الأكثر سكانا فحسب، بل وتتمتع كذلك بأهمية جيوسياسية كبيرة بحكم موقعها الاستراتيجي بين أوروبا وأفريقيا وآسيا. ومن ثم فإن مصر شريك سياسي أساسي بالنسبة لألمانيا بما تحوزه من علاقات إقليمية ممتازة.

وأحد المجالات التي تجلت فيها هذه الشراكة بجلاء على مدى الأشهر الماضية هو عملية السلام في الشرق الأوسط، وهو شأن يمثل أولوية بالنسبة لكلا البلدين. كما أن مصر وألمانيا جزءا من "مجموعة ميونيخ" التي تضم أيضا فرنسا والأردن، وهي المنصة الدولية الوحيدة التي تجمع بين دول عربية ودول أوروبية للاستفادة من الطاقات المجمعة المنبثقة عن المقاربات النوعية لكل دولة من هذه الدول. إن الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الألمانية إلى القاهرة برغم التحديات التي فرضتها جائحة كورونا تؤكد على أهمية شراكتنا السياسية مع مصر.

وبالطبع فإننا نتواصل تواصلا وثيقا للغاية ونتبادل بصفة مستمرة وجهات النظر في العديد من الشئون والتطورات السياسية الأخرى كذلك. وليس لدى شك في أن تلك الروابط السياسية الوثيقة سوف تستمر في لعب دور متميز بالنسبة لبلدينا في المستقبل.

 كم يبلغ حجم التبادل التجاري والاستثمار بين مصر وألمانيا؟ وما هي أهم مجالات التعاون الاقتصادي بين مصر وألمانيا؟

ببلوغ حجم التبادل التجاري بين البلدين خمس مليارات يورو تقريبا في عام ٢٠٢٠ فإن ألمانيا تعد ثان أكبر شريك تجاري لمصر بين دول الاتحاد الأوروبي. أما فيما يتعلق بالاستثمارات الألمانية المباشرة في مصر فقد شاهدنا تدفق عدد من الاستثمارات تقدر قيمتها بحوالي ٥, ١ مليار يورو في العام الماضي. إن لهذه الأرقام دلالتها المؤثرة إذا ما أخذنا في الاعتبار تأثير جائحة كورونا على الاقتصاد العالمي في نفس الفترة. إنها تبين لنا أن العلاقات الاقتصادية الألمانية المصرية بلغت من الازدهار والوقوف على أرض صلبة ما يكفي للتغلب على أية صدمات خارجية. 

يعمل في مصر حوالي ١١٨٠ شركة تساهم فيها رؤوس أموال ألمانية في كافة القطاعات الاقتصادية، ويتعين ألا ننسى أنه يكمن خلف هذا الرقم قوة عاملة قوامها ٢٥٠٠٠ موظفا وعاملا مصريا يعملون في هذه الشركات التي تساهم بأغلبية الحصص في رأس المال، وحوالي ١٧٥٠٠٠ موظفا وعاملا مصريا يعملون في شركات تساهم فيها بصفة عامة رؤوس أموال ألمانية.

أما المجالات التقليدية للاستثمارات والأنشطة الاقتصادية الألمانية فهي قطاع الطاقة، لاسيما توليد الطاقة الكهربية، والتعدين والنقل والبنية التحتية والتكنولوجيات المستقبلية. وهناك طائفة كبيرة من الشركات الألمانية المرموقة بدءا من شركة "ونترشال ديا" ومرورا بشركة "هيرينكنيشت" ووصولا إلى شركة "سيمنز" وكبرى شركات تصنيع السيارات، وجميعها ترى القدرات الاقتصادية الكبيرة التي تتمتع بها مصر، كما أن الخبرات الفنية التي تتمتع بها محل تقدير كبير من الجانب المصري. ونظرا لأن مصر بلد ينمو نموا سريعا وديناميكيا فإن التعاون الاقتصادي الألماني المصري في مجال الحلول التقنية الفائقة الابتكارية والمستدامة سوف يلعب بكل تأكيد دورا أكبر في المستقبل.

ما هي آخر التطورات في العلاقات الثقافية والتعاون الثقافي بين مصر وألمانيا؟

مصر بلد له ميراث تاريخي وتنوع ثقافي بالغ الثراء، وغني عن البيان أن العلاقات الثقافية الألمانية المصرية علاقات مزدهرة وديناميكية. ونحن فخورون بما يقرب من قرنين من التعاون الأثري من خلال المعهد الألماني للآثار الذي يركز في عمله على التعاون مع الجانب المصري تعاون الند للند كي يتعلما من بعضهما البعض ويتشاركان البحث في التاريخ الحافل لهذا البلد وشعبه عبر القرون. وهناك الآن أكثر من عشرة مشاريع مشتركة لا تنحصر في مجال العمل الأثري الكلاسيكي مثل الحفريات، بل وتنصب كذلك على استشراف إمكانيات جديدة لأعمال الأرشفة والرقمنة والاتصالات الدولية. 

وبالإضافة إلى تلك الأنشطة في استكشاف تاريخ وماضي هذا البلد فإن لدينا بالطبع حزمة ضخمة من المشاريع تركز على المستقبل: مصر لديها عدد كبير من السكان في سن الشباب الطامح إلى التعلم وتوسيع أفقه، وهنا يقدم معهد جوته الألماني والهيئة الألمانية للتبادل العلمي والمدارس الألمانية السبع المعتمدة بجانب ٢٧ مدرسة أميرية وخاصة شريكة والجامعة الألمانية بالقاهرة والجامعة الألمانية الدولية بالعاصمة الإدارية الجديدة – جميعها تقدم فرصا تعليمية متميزة وتبني جسورا ثقافية بين كلا البلدين. جميع هذه المؤسسات تساعد الشباب المصري الموهوب على تطوير قدراته على أوسع نطاق وفتح آفاق مستقبلية أمامه. وأنا أشعر حقا بالإعجاب الشديد بهذا العدد الغفير من المصريين الذين يعرفون اللغة الألمانية معرفة ممتازة. إن دراسة لغة أجنبية ليست مجرد هواية، إنها توفر كذلك ميزة تنافسية في سوق العمل المحلي والدولي وتفتح نافذة على ثقافة الغير. ومن ثم فإنني أحيي الحكومة المصرية على قرارها بإدخال لغات أجنبية عديدة في المناهج الدراسية بالمدارس، وإنه لمن دواعي سروري أن أرى نموا مضطردا في أعداد دارسي اللغة الألمانية في مصر، حيث بلغ العدد الآن ٤٠٠٠٠٠ دارس ودارسة، شيء لا يصدق. 

فيما يتعلق بمجال السياحة، هل عادت السياحة الألمانية إلى مصر، كما كان شأنها في الماضي؟

نظرا لأن حملات التطعيم تخطو خطوات كبيرة في العديد من الدول، فإننا نقترب الآن من العودة إلى الحياة التي عرفناها قبل اندلاع الجائحة. وهذا يتضمن، بطبيعة الحال، إتاحة إمكانات أكبر في مجال السفر والسياحة أيضا. من الواضح أن هناك عددا من السياح الألمان في مصر الآن يفوق عدهم في نفس الفترة من العام الماضي، ولكن الأمر سوف يستغرق بعض الوقت حتى نشعر شعورا حقيقيا بالاسترخاء لنقول إننا تمكنا من التغلب على هذه الأزمة العالمية، فالتطعيمات والإجراءات الاحترازية والوقائية تظل هي المفتاح إذا ما أردنا التأكد من أننا حققنا في كفاحنا ضد الجائحة انتصارا على المدى البعيد. على أنني أستطيع بعد عامين قضيتهما في هذا البلد سافرت خلالهما في شتى ربوعه – أستطيع أن أؤكد أن مصر بلا شك مقصد سياحي فريد ورائع بصفة مطلقة، مقصد متعدد الأوجه تستطيع أن ترتاده مرة بعد أخرى وفي كل مرة تكتشف جوانب جديدة. لقد كان هذا البلد وسوف يظل بكل تأكيد مقصدا مفضلا لدى السياح الألمان. سوف يسعدون بالعودة إليه بمجرد اندحار الجائحة على الصعيد الدولي.  

 هل هناك تعاون بين مصر وألمانيا في مجال جائحة كورونا؟

كان جليا منذ البداية أن هذه الجائحة لا تتوقف عند حدود الدول وأنه يتعذر دحرها بإجراءات على المستوى القطري، ومن ثم فإن ألمانيا قد اختارت مقاربة متعددة الأطراف للمساعدة في سرعة تحفيز البحث العلمي في مجال اللقاحات وإمكانات العلاج، ولكي تتأكد من أن النتائج سوف تعود بالنفع على كافة الدول وألا تحقق مجرد مصالح قطرية. ولكي يتسنى مواجهة الجائحة مواجهة جماعية وعادلة فقد شاركت ألمانيا في تمويل المنصة الدولية "ACT-A"، وهي بذلك تعد ثاني أكبر ممول لهذه المنصة. ومن خلال آلية هذه المنصة المعروفة باسم آلية كوڤاكس "COVAX" والتحالف الدولي للقاحات المعروف باسم "GAVI" فقد استطاعت مصر وغيرها من الدول الحصول على آلاف الجرعات من اللقاح والبقية سوف تأتي. ولقد كان من فرط سعادتي أن أرى شخصيا توريد الشحنة الأولى من اللقاحات، وهي ثمرة الجهود متعددة الأطراف، قد وصلت في الوقت الذي كانت فيه مصر في حاجة إليها.

لقد واصلنا كذلك بالتعاون مع الحكومة المصرية تعاوننا التنموي بعيد المدى لتعزيز قدرة الاقتصاد على الصمود ودعم النمو الاقتصادي وخلق فرص عمل جديدة – في كافة المجالات التي تمثل أهمية أكبر في ضوء انتشار الجائحة وآثارها الاقتصادية والاجتماعية. وفي نفس الوقت ألقينا نظرة على مشاريعنا وأجرينا عليها من التعديلات قدر المستطاع. إن المنصات الرقمية لنقل المعرفة والتي تم تطويرها بالمشاركة من شركائنا المصريين سوف تستمر بالطبع في لعب دور أكبر في الفترة القادمة. وهكذا تحولت الأزمة إلى عملية تعلم مشتركة نستطيع أن نستفيد منها في تعاوننا المستقبلي كذلك.   

هل من المتوقع القيام بزيارات رسمية قريبا؟

كما ذكرت آنفا، فقد قام وزير الخارجية الألماني هايكو ماس بزيارة إلى القاهرة مطلع العام الجاري برغم الصعوبات التي فرضتها جائحة كورونا على الصعيد العالمي. وهذا يوضح بجلاء الأهمية التي توليها ألمانيا لشراكتها مع مصر. وسوف يكون لدينا أيضا انتخابات تشريعية في ألمانيا في الأشهر القادمة وسوف نرى تشكيلة الحكومة الجديدة. وأنا على يقين من أنه سوف يكون هناك مزيد من الزيارات رفيعة المستوى في المستقبل.


 هل هنام تعاون في مجال الطاقة بين البلدين؟ ما هي أكثر برامج التنمية أهمية التي تشارك فيها ألمانيا في مصر؟

بصفة عامة فإن مصر تعد شريكا تنمويا مهما بالنسبة لألمانيا في المنطقة، ولقد عملنا معا عن كثب في قطاعات متنوعة منذ ستينيات القرن الماضي. إن حجم مشاريع التعاون التنموي الجارية في مصر يبلغ حوالي ٦, ١ مليار يورو. وفيما عدا قطاع الطاقة فإن التعاون يركز على التدريب المهني ومياه الشرب والصرف والتنمية الحضرية وتحسين الخدمات العامة للمواطنين. وبالتواصل الوثيق والمبني على الثقة مع الجانب المصري فإننا نعمل معا لتحسين ظروف الحياة للشعب المصري بصفة مستدامة، لاسيما بالنسبة للفئات الأكثر هشاشة.

يعد التدريب المهني أحد المجالات الهامة في تعاوننا، ولقد كان من دواعي سروري أن أشهد تدشين مشروعين كبيرين في هذا المجال: الأول منهما كان افتتاح المركز المصري الألماني للتوظيف والهجرة وإعادة الاندماج في المعادي، والذي يركز على تلبية احتياجات الشباب المصري الباحث عن فرصة عمل وفرصة تدريب. يقدم هذا المركز خدمات في مجالات أساسية ثلاث: إدماج الشباب المصري في سوق العمل، إعادة إدماج الشباب المصري العائد من الخارج اقتصاديا واجتماعيا ومساعدة أولئك الذين يرغبون في الهجرة لأغراض مهنية. والمشروع الثاني هو الأكاديمية التقنية المصرية الألمانية التي أنشأتها شركة "سيمنز" بالتعاون مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بالعين السخنة العام الماضي. تتيح هذه الأكاديمية فرصا تعليمية تخصصية ودورات تدريبية في مجالات الميكانيكا والهندسة الكهربية والميكاترونيكس والتحكم الآلي. وتتيح أحدث تكنولوجيا للمحاكاة للمتدربين التعلم في ظروف شبيهة بالظروف الواقعية.

لقد كان قطاع الطاقة تاريخيا ولايزال من أبرز القطاعات عندما نتحدث عن التعاون الاقتصادي وكذلك التعاون التنموي الألماني المصري، فنحن منخرطون في مشاريع تنموية مستقبلية مثل إنشاء مزرعة الرياح بخليج السويس وإعادة تأهيل محطة توليد الطاقة المائية بالسد العالي بأسوان وتمويل مشروع مزرعة الطاقة الشمسية الكهروضوئية بالزعفرانة. 

ونظرا لأننا جميعا نواجه التغيرات المناخية كواحد من أكبر التحديات التي يفرضها القرن الحادي والعشرين، فإن مسألة الطاقة قد اكتسبت بعدا أكثر إشكالا على مدار العقود السابقة. لقد أدركت الحكومة المصرية ذلك وجعلت مواجهة التغيرات المناخية وتبعاتها القاسية أولوية سياسية واقتصادية. وإن ما أبدته لمصر من استعداد لاستضافة المؤتمر القادم للأمم المتحدة حول التغيرات المناخية لهو تعبير عن العزم الذي يدعو للإعجاب والذي من خلاله تسعى الحكومة المصرية إلى معالجة هذه المسألة العالمية.

كل هذه المشاريع المشتركة الطموحة المذكورة أعلاه توضح حجم التحديات، وفي الوقت ذاته توضح عظم الإمكانيات المنبثقة عن التعاون الألماني المصري، ولقد كانت تجربة عظيمة بالنسبة لي أن أكون جزءا من هذه العملية في أثناء فترة خدمتي كسفير لألمانيا في مصر.

دعوني أختم بالتأكيد على مدى سعادتي أنا وزوجتي على المستوى الشخصي بإقامتنا في مصر. وأصدقاؤنا العديدون هنا سوف يعلمون على أن يظل التواصل الوثيق قائما فيما بيننا بما يجعلنا نعاود الزيارة مرة أخرى بكل تأكيد.


(Published by Akhbar Al-Youm Online on August 1st 2021)


إلى أعلى الصفحة